من أين أتت المسلمين فكرة أن من أساسيات الإيمان الإسلامي أن يكون الله قد خلق العالم من عدم، أي أنه أبدع العالم، أو كما يقول الكندي في تعريف الله: مأييس الأيسات عن لـَيس. بدكم تعذروه ، بس لغة الفلسفة في وقته كانت خليطة من عدة أهمها السريانية، فالسريان هم من ترجم الفلسفة اليونانية إلى السريانية، ثم تمت الترجمة من السريانية إلى العربية (وهذا سبب بعض أنواع سوء الفهم أو الخلط في الفلسفة العربية تجاه الفلسفة اليونانية). فـ "أيس" تعني يوجد أو موجود، و "ليس" عكسها، أي ليس موجوداً أو معدوم.
المهم... القرآن لا يذكر في أي موضع أن الله خلق العالم من عدم؛ بالعكس فالعديد من الآيات توحي بمادة أولى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين... وهوالذي خلق السموات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، وأعتقد أن خيال محمد لم يستطع أن يستوعب فكرة معقدة كخلق العالم من عدم.
بدأ هذا الاصرار على أن الله خلق العالم من عدم مع بداية الكلام الإسلامي، فمن أهم مواضيع "مناوشات" أطرافه من ما قبل المعتزلة، إلى المعتزلة، إلى الأشعرية وسواهم موضوع أن القول بقدم المادة يعني القبول بالشرك، أي أن أخص صفة من صفات الله هي القدم، وأي قديم آخر إله آخر، ومن هنا نشأت "معركة" بل "حرب" الذات والصفات التي طارت فيها رؤوس، وأحلت فيها دماء، وكفر الناس بعضهم بعضاً على كلمة ولفظ وعبارة.
يورد الدكتور حسام الألوسي في كتابه دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي (وهو كتاب جميل جداً بالمناسبة، ويتكون من عدة فصول منفصلة، يورد فيها أطروحات جريئة وموثقة طبعاً بالكامل) وجهة نظر في منشأ هذه الفكرة الدخيلة على الإسلام (خلق العالم من عدم.. أو حدوث المادة).
يقول أن هذا المبدأ [من وجهة نظر المؤمن] ليس بديهية واجبة القبول، بل من الممكن أن نتصور وجود إله قديم ومعه مادة قديمة تتحرك حركة قديمة بلا غاية، كما رأى أفلاطون، دون أن يستدعي ذلك القول بألوهية المادة لمشاركتها في القدم.
ويرجع الباحث منشأ هذا الإصرار من متكلمي الإسلام -على حدوث المادة وعلى أن القدم مشاركة في الألوهية وأخص خواصها- إلى الموقف الدفاعي الذي وجد المسلم نفسه فيه عندما اصطدم بمن يخالفونه في العقيدة، ولاسيما جماعات الدهرية، الذين لم يعتقدوا بإله، ويرون أن العالم قديم وموجود بذاته.
وجد المسلم نفسه هنا -على رأي الباحث- أمام خصم ينكر أهم ركن في عقيدته: وجود الإله، ولم يجد أمامه طريقاً لإقناع هذا المنكر إلا الاستدلال بالعالم على وجود الله، وذلك بأن يحاول إثبات حدوث العالم، فيلزم بالتالي أن يكون للعالم محدث، فالشيء لا يحدث نفسه.
وانتهى المسلم لهذا السبب ومن هذا المنظور إلى أن أهم صفة تخصص الله عن سواه هي قدمه وأزليته، وأنه إذا شاركته الأشياء المادية بهذه الصفة، فلن يتبقى أي دليل لإثبات وجود الله يمكن إقناع الدهرية به.
من هنا أصبح الاعتقاد بقدم العالم عند المتكلمين مساوياً للإلحاد، وأصبحت مسألة خلق العالم وحدوثه (بما فيها مادة العالم وليس مجرد صورته) أهم مسائل الكلام الإسلامي.
مودتي وتقديري
زورونا هنا
http://el7ad.com/smf/index.php?board=3.0